كتب المحرّر السياسي
حدثان كبيران تصدّرا التطورات الإقليمية، الاعتراف «الإسرائيلي» بإطلاق الدفاعات الجوية السورية صاروخاً على طائرة حربية «إسرائيلية» في الأجواء اللبنانية، في سابقة أولى تضيّق هامش الحركة «الإسرائيلية» التي باتت بعد نجاح الدفاعات الجوية السورية بفرض معادلة تحريم دخول الأجواء السورية، ترتكز على تنظيم غارات على العمق السوري بمدى صواريخها الموجهة من الجو بواسطة طائراتها عبر الأجواء اللبنانية، بحيث يتحول النجاح السوري في تكرار هذه السابقة، وتحقيق أهداف مباشرة بإصابة طائرات «إسرائيلية»، كما قال الناطق العسكري السوري، إلى نجاح في فرض معادلة ردع جديدة، تقيد اليد «الإسرائيلية» وتحصرها بالاعتماد على إطلاق صواريخ أرض أرض من الجولان المحتل بمدى ستين كيلومتراً، لتصير المرحلة اللاحقة ربما بفرض ردع الردّ على الصاروخ بصاروخ، ورفع سقف التحدّي حتى فرض الردع الشامل، بعدما تكون معادلة ردع الطيران «الإسرائيلي» عن استعمال الأجواء اللبنانية قد وفرت الحماية للمناطق السورية الواقعة حتى عمق ستين كيلومتر على طول الحدود اللبنانية السورية، من جبل الشيخ حتى القصير وصولاً للبحر المتوسط، وهي مناطق تتضمن العاصمة دمشق ومدن حمص وحماة وطرطوس، بعدما وفّر الردع الصاروخي لحماية الأجواء السورية حماية العمق السوري كله. من جهتها تل أبيب التي اعترفت بتعرض طائراتها في الأجواء اللبنانية للاستهداف بصواريخ سورية أعلنت أنها قامت بقصف بطارية صواريخ شرق دمشق، لم يؤكد حدوثها أي مصد عسكري سوري أو طرف ثالث، لكن الصراخ «الإسرائيلي» السياسي بدا مرتفعاً، على لسان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، كاشفاً حجم القلق «الإسرائيلي» من التحوّل الجديد.
الحدث الثاني الذي خطف الأضواء كان النجاح الباهر للجيش العراقي مدعوماً بالحشد الشعبي، في الانتشار في مدينة كركوك واسترداد مرافق العاصمة كلها ومطارها وصولاً لحقول النفط فيها، وإنزال الأعلام الكردية في المؤسسات الحكومية ورفع الأعلام العراقية عليها. وفيما انسحبت وحدات البشمركة من المدينة، اتهمت جماعة رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني، تيار الرئيس العراقي السابق جلال الطالباني، وحزبه الاتحاد الوطني الكردستاني بالتواطؤ مع بغداد وطهران، في عملية تسلّم وتسليم لكركوك، مشيرة إلى أن الأغلبية السياسية والعسكرية الكردية في كركوك والسليمانية العاصمة الثانية لإقليم كردستان تعود لمناصري الطالباني، مضيفة أن ثمة صفقة رعاها الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري بين بغداد والسليمانية، تفسّر ما جرى في كركوك، بينما قالت مصادر من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني أن زيارة سليماني للسليمانية كما رسائله للبرزاني كانت واضحة لجهة، أن الحفاظ على لغة الحوار شرطه إنهاء وضع كركوك، وفقاً لتفاهم عراقي إيراني تركي، وأن الأفضل أن يتمّ ذلك بالتراضي، طالما أن حزب الاتحاد الوطني يعتبر الاستفتاء في كركوك غير شرعي وسجل اعتراضه العلني على شموله لها، ويعتبر الاحتفاظ بالسيطرة على كركوك وحقول نفطها بعد نهاية تهديد داعش، أمراً مخالفاً لمقتضيات التوافقات العراقية، فيما قالت مصادر عراقية قريبة من رئيس الحكومة حيدر العبادي أن قرار بسط السيادة على المناطق المتنازع عليها وحقول النفط تطبيق حرفي للدستور، وقد اتخذ ولا رجعة عنه، وكان اللافت صدور تحذيرات أميركية بعد ساعات على دخول الوحدات العراقية إلى كركوك بدت أقرب إلى التهديد للحكومة العراقية، بعدما لحقها كلام للسناتور الجمهوري جون ماكين لبغداد من المواجهة مع كردستان.
لبنانياً، خطا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون خطوة عملية لتطبيق مقاربته لملف عودة النازحين السوريين، بدعوته السفراء للتدخل لدى حكوماتهم لعدم تحويل قضية النازحين لورقة ضغط سياسي في الصراع حول سورية، لأن لبنان والنازحين سيكونان أبرز ضحايا هذا الربط، بينما قالت مصادر مطلعة أن الرئيس عون يمهد لإيفاد مبعوث رئاسي إلى دمشق يحمل تصوراً حول آلية للتعاون بين الحكومتين اللبنانية والسورية في ملف العودة، وأنه سيقترح على الحكومة اللبنانية صيغة للفصل بين هذا الحل والمواقف اللبنانية المختلفة حول العلاقة بالأزمة السورية وأطرافها المحلية والإقليمية والدولية، في المقابل قالت المصادر نفسها إن موقف تيار المستقبل لا يزال عند تمسّكه بتدويل ملف النازحين، ورفض مقاربته كملف ثنائي لبناني سوري.
عون للسفراء: ساعدوا لبنان قبل الانفجار
خطفت مواقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمس، من ملف النزوح السوري الأضواء المحليّة لما تضمّنته من نداءات ورسائل تحذيرٍ وحثّ للدول الفاعلة وللمجتمع الدولي لتحمّل مسؤولياته ومساعدة لبنان في معالجة الأزمة قبل انفجارها، كما لم تخلُ مواقف عون من الرسائل الى شركاء الداخل الذين يمعنون وبأوامر خارجية في رفض التواصل مع سورية لإيجاد الحلول، وبالتالي يساهمون في استمرار الأزمة وتفاقمها في المستقبل.
خطورة الوضع والتداعيات السلبية المتوقعة على المستويين اللبناني والدولي، دفعت رئيس الجمهورية الى استدعاء سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن مع سفراء الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى بعبدا، حيث عرض أمامهم، بحضور وزير الخارجية جبران باسيل، موقف لبنان من القضية. فشرح مخاطر استمرار النزوح سواء السياسية أو الاقتصادية أو الأمنية والانعكاسات التي سبّبتها على اليد العاملة اللبنانية، بحيث ارتفعت نسبة البطالة بين اللبنانيين.
فهل ستلقى مواقف عون آذاناً صاغية لدى المجتمع الدولي الصامت الأكبر إزاء المجازر الإرهابية في سورية وغيرها؟ وهل ستحرّك ضمير الدول الكبرى التي كان بعضها شريكاً أساسياً في الحرب على سورية وتهجير الملايين من شعبها إلى أصقاع العالم؟ وهل هذا المجتمع وتلك الدول يريدون فعلاً وقف الحرب وعودة النازحين إلى بلدهم؟ وماذا لو لم يتحمّلوا مسؤولياتهم على هذا الصعيد؟ ما هي الخيارات المتاحة حينها أمام الرئيس عون ووزارة الخارجية والحكومة؟ وهل سيتمكّن عون من انتزاع موقف من رئيس الحكومة سعد الحريري للتحرّك حكومياً باتجاه سورية وإيجاد حلول مشتركة بين الدولتين في ظل غياب أي حلول أمميّة جديّة؟
مصادر مقربة من بعبدا ومطلعة على الملف، أشارت لـ «البناء» إلى أن «خطوة الرئيس عون جاءت بعد أن لمس خلال مشاركته في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة ولقاءاته على هامش الاجتماع تواطؤاً دولياً في ملف النزوح من خلال توطين مبطن للنازحين في الدول المضيفة. وقد كشف عن ذلك الرئيس الأميركي دونالد ترامب في خطابه. وبالتالي تولّد لدى الرئيس عون «شعور بمخاطر جمّة على الداخل اللبناني جراء استمرار الأزمة من دون تبلور أي حلول»، لكن المصادر لفتت الى أن «التباعد بين موقف عون والموقف الدولي لا يزال كبيراً، حيث يتمسّك المجتمع الدولي بالعودة الطوعية للنازحين، في المقابل تعمل بعض الدول الفاعلة على استخدام الملف السوري كورقة ضغط سياسية على سورية وعلى لبنان أيضاً ولا تريد حل الأزمة قبل نضوج الحل السياسي في سورية واعتبار النزوح جزءاً من هذا الحل، وبالتالي ابقاء أكثر من مليون ونصف نازحٍ في لبنان، الامر الذي سيترك تداعيات خطيرة على الواقع اللبناني». كما لفتت المصادر الى «تنسيق مسبق بين سفراء الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لجهة ابلاغ عون بأن الوضع في سورية لا يزال هشاً وأي عودة غير مدروسة قد تؤدي الى انتكاسة في العودة».
وكشفت المصادر أيضاً أن «لبنان سيعمل وفقاً لمصلحته الوطنية العليا ولن يخضع للضغوط الخارجية، وبالتالي الاتجاه هو التواصل مع الحكومة السورية بمعزل عن موقف القوى السياسية من النظام ومن الرئيس السوري، وذلك بهدف التنسيق معها لوضع خطط مشتركة والبدء بتطبيقها تدريجياً».
ولفتت الى أن «الرئيس عون غير مهتم بموقف المجتمع الدولي بقدر ما هو يركز على الموقف الوطني الداخلي من الملف، حيث سيسعى الى تحقيق توافقٍ سياسي في مجلس الوزراء في الجلسات المقبلة حول وضع آليات للحلّ بمعزل عن الخلافات السياسية حول الملف السوري»، كما شددت على أن «الوزير باسيل سيعرض الورقة التي أعدّها لحل الأزمة في اللجنة الوزارية المخصصة لبحث الملف ثم في جلسات مجلس الوزراء وتضمن الخطة مراحل عدة للحل تبدأ باتخاذ إجراءات قانونية تمنع مَن يغادر الأراضي اللبنانية من النازحين من العودة».
وأكد عون أمام السفراء أن من مصلحة هذه الدول معالجة هذه المسألة تلافياً لحصول انفجار جراء المخاطر التي عدّدها، لأنه آنذاك سيُصبِح من الصعب ضبط حركة النازحين وطلب من المنظمات الدولية التي تساعد النازحين عدم تخويف الراغبين منهم بالعودة الى بلادهم، طالما أن هذه العودة تتمّ بناء لرغبتهم». واعتبر عون أن «أمن لبنان مهم بقدر ما هو مهم أمن النازح السوري وأن ثمّة مناطق في سورية خارج إطار الحرب ومناطق أخرى عاد اليها الهدوء». وشدّد على أن «ما يطالب به لبنان هو عودة النازحين الراغبين وليس المقصود من لديهم مشاكل سياسية مع السلطة القائمة». كما أبلغهم بأن لبنان «لم يعُد قادراً على تحمّل المزيد. وهو يطلب من المجتمع الدولي والأسرة الدولية الإسراع بمعالجة قضية النازحين».
وكان عون قد سلّم السفراء رسائل خطية موجهة الى رؤساء بلدانهم والأمين العام للأمم المتحدة ورئيس الاتحاد الاوروبي والامين لجامعة الدول العربية، واعتبر فيها أنه «اصبح لزاماً على المجتمع الدولي والامم المتحدة بذل كل الجهود الممكنة وتوفير الشروط الملائمة لعودة آمنة للنازحين إلى بلدهم، لا سيما المناطق المستقرة التي يمكن الوصول اليها او تلك المنخفضة التوتر من دون أن يتم ربط ذلك بالتوصل الى الحل السياسي».
«المستقبل»: نرفض التواصل مع سورية
في المقابل لا يزال تيار المستقبل على موقفه الرافض للتواصل مع الحكومة السورية ويُصرّ على ربط عودة النازحين بوقف الحرب السورية والتوصل الى حل سياسي، حيث أكدت أوساط قيادية مستقبلية لـ «البناء» أن «خطوة رئيس الجمهورية باتجاه سفراء الدول صاحبة القرار الدولي هو دليل على أن لقاء باسيل مع وزير الخارجية السوري لم يؤد الى اعادة النازحين الى سورية، في حين أن الحلّ الوحيد الذي نراه ممكناً في الوقت الراهن هو الأمم المتحدة والدول الفاعلة القادرة على فرض الحلول وإيجاد مناطق آمنة وتحقيق استقرار سياسي وأمني واقتصادي واجتماعي في سورية وإعادة الإعمار».
وعن موقف الرئيس الحريري وتيار المستقبل من ورقة الوزير باسيل، أوضحت الأوساط أن «المستقبل يؤيد ما ورد في الورقة من اتخاذ إجرءات قانونية لمنع أي نازح يغادر الحدود اللبنانية من العودة الى لبنان، الأمر الذي يخفف من أعداد النازحين»، لكنها أشارت الى أن «لبنان لا يستطيع وفقاً للقانون الدولي إلزام وإجبار النازحين على العودة التي يجب أن تكون طوعية وآمنة في الوقت عينه».
تفاعل سجال باسيل المشنوق…
وفي الإطار نفسه، لم تهدأ جبهة السجال الحاد بين وزيري الخارجية جبران باسيل والداخلية نهاد المشنوق على خلفية ملف النزوح والعلاقة مع سورية، حيث تفاعل أمس، وردّ المشنوق على تصريح باسيل الأخير بالقول: «قدّمتُ طلباً للاستتباع لكنني لم أُقبَل وغيري قدّموا وقبلوا لكن أنا لا».
وكان المشنوق قد أوضح أمس رداً على سؤال حول ما إذا كان كلامه بحق باسيل يعبّر عن موقف الرئيس الحريري، وقال: «إنني صراحة في هذا الموضوع لم أتشاور معه بعد».
جلسات الموازنة تبدأ اليوم
على صعيد آخر، من المتوقع أن تشهد الجلسات التشريعية الثلاث التي تبدأ اليوم حماوة في النقاشات حول تفاصيل قانون الضرائب، لا سيما لجهة اعتراض عدد من الكتل السياسية على رفع الضريبة على القيمة المضافة 1 في المئة، والمطالبة بالبحث عن مصادر أخرى لتمويل سلسلة الرتب والرواتب عبر مكافحة التهرب الضريبي وفرض ضرائب على الأثرياء ومكافحة الفساد والهدر.
وتوقعت مصادر نيابية لـ «البناء» أن ينسحب التوافق «السياسي المالي» الذي حكم إقرار قانونَي الضرائب والسلسلة على الموازنة، مرجّحة إقرار مشروع موازنة العام 2017 في غضون أيام وتأمين مخرج قانوني لمسألة قطع الحساب كان قد اتفق عليه في مجلس الوزراء من خلال إضافة مادة على قانون الموازنة تجيز للمجلس النيابي إقراره من دون قطع الحساب على أن تتولى وزارة المال ذلك في مهلة لا تتعدّى السنة».
وأكد رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان أن «أي اتفاق سياسي لن يكون مع أي تسوية على حساب المال العام والدستور والمصلحة العامة»، وقال: «يجب الخروج من منطق المزايدات السياسية، وطالما أن الغالبية ترفع الصوت ضد الضرائب، فإمكانية استبدالها متاحة من خلال ضبط الهدر وقد قمنا بذلك عملياً بمساهمة من كل النواب الأعضاء في لجنة المال والذين شاركوا باجتماعاتها».
ودعا كنعان النواب للتصويت لمصلحة المالية العامة، وهو ما يحتاج الى قرار من الكتل النيابية، علماً ان تقرير لجنة المال جاء بعد التشاور مع هذه الكتل التي أعطت مواقف إيجابية من هذه الإجراءات. وقد أخذ بالعديد من الملاحظات التي وضعتها، ونتمنى أن لا تفاجئ الهيئة العامة اللبنانيين بقرارات ومواقف لا علاقة لها بما حصل».
2017-10-17 | عدد القراءات 3112