كتب المحرّر السياسي
مع بلوغ التحضيرات لمؤتمر سوتشي للحوار الوطني السوري مراحل متقدّمة، وتوضيحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأهمية المؤتمر من دون الوقوع في وهم أنه سيصنع معجزة الحلّ بضربة واحدة، كشف الأميركيون أوراقهم المستورة حول مستقبل سورية بالوثيقة التي بدأ التحضير لإطلاقها من لقاءات واشنطن الأميركية الفرنسية البريطانية بمشاركة سعودية أردنية قبل أسبوع وتوّجت الثلاثاء في باريس. ومع نشر الوثيقة الخماسية صار على الطاولة مشروعان سياسيان، واحد يمثله القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي والقائم على السعي لتفعيل دور مؤسسات الدولة السورية لقيادة الحلّ السياسي، وفقاً لقواعد تحفظ سيادة سورية كدولة ووحدتها كجغرافيا، من بوابة الدعوة لحكومة موحدة تتولّى وضع دستور جديد وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية على أساسه بمعونة أممية لوجستية وتوفير ضمانات بناء الثقة بين المشاركين حول شروط إجراء العملية الانتخابية. وفي المقابل ولد أمس المشروع المقابل، الذي ينطلق من تثبيت الستاتيكو السوري الدولي والإقليمي، وشرعنة الوجود الأجنبي في سورية وتنظيم مناطق النفوذ الإقليمي والدولي بمناطق لها برلمانات وحكومات محلية، على أن تحلّ الأمم المتحدة مكان المؤسسة المركزية للدولة السورية بصيغة هيئة انتداب تسمّى البيئة الآمنة للحلّ السياسي، وتتولى السلطات السيادية للدولة بهدف شلّها وتعطيلها، وتحويل سورية إلى جغرافيا حدودية لدول الجوار، خصوصاً تركيا و«إسرائيل» والسعودية وأميركا التي تحتلّ جزءاً من الأرض السورية، مع تأجيل قيام دولة سورية إلى أجل غير مسمّى.
المشروع الأميركي السعودي يربط عملياً تجميد العملية السياسية في سورية بالانتداب الذي يدعو لوضع سورية تحت مظلته بقرار أممي، بانتظار حلول المنطقة خصوصاً مع جمود فرص التسوية للقضية الفلسطينية وفقاً لدفتر الشروط الأميركي «الإسرائيلي» الموافق عليه من السعودية والقائم على تكريس القدس كعاصمة لـ«إسرائيل»، ويعرض المشروع على روسيا وإيران والدولة السورية عملياً الرضا بإدارة مشرعنة لأغلب الأراضي السورية والتخلي عن مشروع دولة موحّدة ذات سيادة بانتظار قطار الحلول الشاملة في المنطقة، والمشاركة حتى ذلك الحين بتغطية الاحتلالين الأميركي والتركي، والتدخلات «الإسرائيلية»، ويحاول دعوة الأتراك لعدم الذهاب بعيداً مع الحلف الروسي الإيراني وصيغة الحلّ السياسي من بوابة سوتشي مقابل شرعنة الدور التركي في سورية.
الردود الأولية على المشروع الأميركي كشفت عجزه عن الإقلاع كورقة على طاولة المباحثات، فقد بدا أنّ الحكومة السورية التي رفضت المشروع بقوّة، تتلاقى مع غالبية أعضاء هيئة التفاوض، كما قال أركان منصة موسكو المعارضة لـ «البناء» بعد نهاية اجتماع لعدد من أركان الهيئة من مختلف المشارب والتوجّهات، أكدوا وفقاً لمصادر منصة موسكو أنّ الوثيقة الخماسية تنهي الأمل بحلّ سياسي في سورية وربما بعودة قيام دولة سورية، وأنّ مشاركة المعارضة في سوتشي سواء من منطلقات وطنية أو مصلحية، ربما تكون أحد أشكال الردّ على الورقة الأميركية السعودية التي تعرّض مستقبل سورية للخطر، إذا قُبل مبدأ وضعها إطاراً للتفاوض والنقاش.
لبنانياً، أفرغ كلٌّ من رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل، ووزير المالية علي حسن خليل، ما في جعبتيهما من خرطوش الاشتباك السايسي بعدما انتهت آخر جولات التجاذب حول تعديل مهل قانون الانتخابات، وأعلن باسيل خسارته للجولة مهاجماً حركة أمل كمسؤول عن هذه الخسارة للمشروع الإصلاحي وفقاً لوصفه، ليردّ عليه خليل بالتساؤل عما بقي من الإصلاح بعدما نسفت مؤسسات الخدمة المدنية بداعي التوازن الطائفي المنشود في غير مكانه والمفقود في مكانه. وبدا النزال بين الوزيرين ربط النزاع الأخير قبل التفرّغ للانتخابات النيابية التي صارت الحدث الوحيد الذي يستقطب الجهود والاهتمامات وقد استنفدت فرص المناورات والرهانات على ربع الساعة الأخير، لتطلق صفارة الماكينات الانتخابية أولى القطارات مع إعلان نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم إطلاق ماكينة الحزب الانتخابية جنوباً، تحت شعار «متحالفون مع حركة أمل في كلّ لبنان».
صدام الوطني الحر ــ أمل يتخطّى الخطوط الحمر
توسّعت رقعة الصدام بين بعبدا وعين التينة الى حدود الخطوط الحمراء، ولا يبدو ان «الخلاف المستفحل قابل للاحتواء رغم الحديث عن مساعٍ جديدة يقوم بها حزب الله على خط بعبدا – عين التينة للتوصل الى حل لهذه الأزمة وتخفيف التوتر قبل الانتخابات النيابية»، وترجيح بعض الاوساط أن تصل المساعي الى حلٍ وسط في الايام المقبلة. فالرسائل التي تطايرت من ميرنا الشالوحي ووزارة المال تنذر بأن العلاقة غير قابلة الصيانة، وترافق ذلك مع انعقاد الاجتماع الأخير للجنة الوزارية المكلفة البحث في سبل تطبيق قانون الانتخاب برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري الذي كرّس التخلي عن كل التعديلات التي كان وزير الخارجية جبران باسيل يطالب بإدخالها وأهمّها تمديد مهلة تسجيل المغتربين للاقتراع في الانتخابات، بيد أنّها أقرّت ضرورة إنهاء دفتر الشروط بالشراكة مع القطاع الخاص لتنفيذ مكننة الأحوال الشخصية بكاملها.
باسيل يطالب بالمداورة.. وخليل متمسكون بحقنا
وردّ أمس، الوزير جبران باسيل على الرئيس نبيه بري الذي أكد مراراً أن أزمة مرسوم الأقدمية انقلاب على الدستور، بالتشديد على التمسّك بالعيش المشترك، والتوازن الداخلي حفاظاً على الاستقرار الداخلي. وكرر التمسّك بالدولة المدنية وقال بما أن البعض غير جاهز لها فنحن كتيار وطني حرّ متمسّكون بالدستور، مقترحاً مرحلياً فكرة يمكن تطويرها من دون تعديل الدستور تقوم على عدم تخصيص أي وظيفة لأي طائفة واعتماد المداورة في الحقائب الوزارية والمديريات العامة لأن الدستور لا يتحدّث عن تخصيص. ورفض باسيل بعد اجتماع هيئة مجلس التيار السياسي وضع اليد على الطوائف وتحريكها كلما دعت الحاجة الطائفية ذلك. وشدّد على أن التفاهم مع حزب الله لحماية لبنان، من «إسرائيل» ومن الفتنة. وهذا التفاهم لا يزال حاجة وسيبقى ولن تقوى عليه الألاعيب السياسية الصغيرة.
وأوضح وزير المال علي حسن خليل من جهته أننا «لا نستطيع الحديث عن دولة مدنية بينما نذهب إلى تجاوز الكفاءة ونلغي دور مجلس الخدمة المدنية، وطلب من رئيس الجمهورية أن يبعث برسالة مباشرة إلى مجلس النواب لتطبيق المادة 95 من الدستور «حتى نكون جديين.» ولفت إلى أن مسألة رئاسة مجلس النواب هي خارج إطار كل النقاش، ومَن يستطيع خوض هذا الأمر في إطار اللعبة الديموقراطية فأهلاً وسهلاً به. ورفض خليل الإجابة عن مدى التمسك بوزارة المال في ضوء كلام باسيل عن مداورة مكتفياً بالقول: «عندما نصل إلى تأليف الحكومة نتكلم في وقتها عن الموضوع. لكننا سنبقى متمسكين بحقنا، وسنطالب بالقدر الذي نقتنع بأنه حق لمشاركتنا». وأوضح أن «الدستور ضمانتنا»، لكنه لا يتكيّف وفق الأهواء السياسية ولا نستطيع تفسير الدستور على طريقة المفتين الجدد الذين هم في موقع مسؤولية اليوم وقد ورّطوا العهد.»
واستدعى كلام خليل أن «المفتين الجدد الذين ورّطوا العهد»، رداً من وزير العدل سليم جريصاتي الذي اكتفى بتغريدة جاء فيها: «المفتي الجديد لا يورّط. أما المفتي القديم والجديد فيتورّط ويورّط. آمل أن نكون جميعاً من جماعة المفتين الجدد».
تجاوزات للطائف
وأشارت أوساط الحزب التقدمي الاشتراكي لـ «البناء» إلى تكرار التجاوزات لاتفاق الطائف في جملة من الملفات لا سيما فرض التوازن الطائفي حتى في وظائف الفئة الثالثة والرابعة الأمر الذي يعزز الطائفية أكثر في مفاصل الدولة»، لافتة إلى أن «تأييدنا مواقف الرئيس نبيه بري تندرج في إطار العلاقة التحالفية التاريخية والمستمرة بين عبن التينة والمختارة والاتفاق على جملة من العناوين وليس موجّهاً ضد العهد والرئيس عون والتيار الوطني الحر»، موضحة أن «مواقفنا المعترضة على نهج وأداء معين يهدف الى الحفاظ على الاستقرار السياسي في البلد». وعن أزمة المرسوم لفتت الأوساط إلى «أننا قمنا بواجبنا ونقلنا اقتراح بري إلى الرئيس سعد الحريري الذي لم ينقله بعد إلى بعبدا، وبالتالي الكرة في ملعب الرئيسين عون والحريري وتجب معالجة الخلاف، أما اعتبار أنه بات خلفنا، فأمر لا يخدم المصلحة الوطنية وقد ينعكس على المؤسسات».
الغرف السوداء
وتحت شعار «نحمي ونبني»، أطلق نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم الماكينة الانتخابية للحزب، مؤكداً أن الغرف السوداء التي لا تريد الانتخابات ليست غرفاً وطنية إنما خارجية لعدم إجراء الانتخابات، فضلاً عن أن هناك مَن يتواصل مع جهات لبنانية للتحالف ضد حزب الله، ونحن نعرفهم بالأسماء، ولكن الردود أتتهم بأنه لا نفع في ذلك. لافتاً الى أن حزب الله مرتاح لأي نتيجة ستكون عليها الانتخابات المقبلة وحساباتنا ليست مبنية على عدد النواب إنما على سعة التمثيل. ولفت الى ان تحالفنا مع حركة أمل سيكون في كل لبنان من دون استثناء وستكون اللوائح مشتركة، وهناك عمل كبير سيكون بين الحزب والحركة.
ونقل زوار الرئيس نبيه بري عنه لـ «البناء» «التزامه بالاتفاق بين أمل وحزب الله على دعم لوائح 8 آذار في مختلف الدوائر»، مشيرين الى أن «المشاورات مستمرّة بين قيادات فريق المقاومة لحسم الترشيحات والتحالفات»، واعتباره أن «الانتخابات مفصل تغييري لمصلحة الخط السياسي الذي تمثله المقاومة». وأبدى بري إصراره بحسب زواره على «إجراء الانتخابات النيابية في موعدها ومن دون أي تعديلات على القانون الحالي وتفرُّغ الحكومة ووزارة الداخلية لاستكمال الإجراءات القانونية واللوجستية والتقنية التحضيرية للعملية الانتخابية في المناطق اللبنانية كافة، وانصراف القوى والأحزاب السياسية إلى الإعداد لإطلاق حملاتهم الانتخابية وحسم الترشيحات والتحالفات».
وأشار زوار بعبدا لـ «البناء» إلى إصرار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على إجراء الانتخابات في موعدها، وهو أكد لسفراء الدول الذين التقاهم خلال اليومين الماضيين على إنجاز هذا الاستحقاق»، مشيرين الى اعتبار الرئيس عون بأن «الانتخابات تعزّز الاستقرار السياسي في لبنان، وبالتالي تزيد من ثقة المجتمع الدولي بلبنان».
في سياق متّصل، ردّت مصادر «اشتراكية» لـ «البناء» إرجاء رئيس التقدمي الاشتراكي النائب وليد لجنبلاط مؤتمره الصحافي لمزيد من النقاش والتشاور وانتظار مسارات الحوارات الأخرى، لا سيما في ضوء ارتباك مختلف القوى السياسية في حسم تحالفاتها مع تعثر مصالحة حزب القوات اللبنانية وتيار المستقبل من جهة، وعجز التيار الوطني الحر والقوات عن التوصل الى تفاهم انتخابي حتى الآن. وأضافت «نحن بذلنا جهداً لجمع القوى والحفاظ على هذا التنوع في الجبل، لكننا اصطدمنا بجدار اختلاف المصالح وتداخل الحسابات». وأشارت الى أننا «لن نرشح لوائح مكتملة للحزب. ونتوقع أن تتراوح حجم كتلتنا النيابية ما بين 10 و 12 نائباً ولن تختلف كثيراً عن حجمها الحالي».
2018-01-27 | عدد القراءات 2403