الرياض تمنى بالهزائم فهل يقرأ بعض اللبنانيين ؟ نقاط على الحروف ناصر قنديل

  • يكاد لبنان يشبه مطار الرئيس رفيق الحريري في كل شيئ ، حيث الحرارة مرتفعة بسبب تعطل كل عمليات التبريد ، والإزدحام في المشكلات يفوق الطاقة على الإستيعاب ، والأعطال في آلات تنظيم الحقائب تتسبب بالضياع ، والصراخ والضجيج في كل ناحية ، وتكرار الإعتراف بوجود مشكلة ، لكن في النهاية كل شيئ يراوح مكانه ، ما عدا حقيقة واحدة ، أن الأمن العام يقوم بمهامة وكأن لا أزمات من حوله ، ساعيا لتعويض ما أمكن من الصورة السلبية ، وكما في المطار القضية أكبر من حجم دور وزارة الأشغال ، قضية لبنان أكبر من تشكيل حكومة .
  • في لبنان إجماع على أن الحكومة نقطة البداية في مواجهة المشكلات وليس حلها ، والحكومة تستدعي قرارا يجب أن يقوم على قراءة الوضع السياسي الداخلي وخلفياته الإقليمية ، وفي الداخل رغم كل التسخيف المحلي للعقد الوزارية تبقى تعبيرا عن تجاذب يطال الخيارات التي تنتظر لبنان ، من قضية العلاقة بسورية وتحت عنوانها المعابر والنازحين وبعض ملف الكهرباء ، إلى قضية التوطين التي يفرض حضورها السعي الأميركي الحثيث بتنفيذ مضامين صفقة القرن بالمفرق والتقسيط ، وحول المحورين الإقليميين والدوليين المتقابلين في هذه العناوين ينقسم اللبنانيون بين فريق يمثله  رئيس الجمهورية وفريق يمثله الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة ، مهما حاول من يسعى لتدوير الزوايا ، حيث الرئيس المكلف يريد له ولفريقه الثلث المعطل وزيادة ، التعطيل الميثاقي في طائفتين دون أوزان نيابية تبرر هذه الطلبات ، ويرتهن الإفراج عن الحكومة  بنية الحصول عليها تحت تسميات مختلفة من نزاع مفتعل حول الصلاحيات ، إلى الإستنفار الطائفي حول الصلاحيات ، وصولا لإبتكار تسميات مثل التوازن الوطني بدل نسبية التمثيل النيابي في الحكومة ، بينما يسعى رئيس الجمهورية المرتاح لنتائج الإنتخابات النيابية لمنع محاولات تعطيل نقل هذه النتائج إلى التشكيلة الحكومية .
  • في المنطقة تحت سقف المواجهات الكبرى الدائرة حول عناوين متعددة ، حراك متسارع سياسي وعسكري وأمني ، ويدفع فواتير الخسائر من يتأخر في قراءة المؤشرات ، فقد أحسن العراقيون القراءة عندما قرروا الإفراج عن عمليتهم الدستورية من وراء ظهر السعودية ، وإضطرت واشنطن للتعامل مع النتيجة ، بينما لا تزال الرياض تتساءل كيف إنتقل المحور الذي قامت بتشكيله لفرض حضورها تحت عنوان مذهبي ليصير عضوا في إئتلاف يقوده حلفاء إيران ، والجواب واضح أن أركان هذا المحور حصلوا على رئاسة مجلس النواب ، وهو ما لم يكن ليحصل لو لم يقرأوا الوقائع ، وفي اليمن يقرأ المبعوث الأممي مارتن غريفيت وقائع الميادن وليس البيانات العسكرية الصادرة عن الرياض ، وينتبه إلى فشل العملية العسكرية السعودية الأخيرة وصمود الحديدة ومحيطها ، فينفتح على أنصار الله تحضيرا لجولة محادثات مقبلة ، وفي صفقة القرن فشل ذريع في تصنيع الشريك الفلسطيني الذي بدونه يبقى ما يعده مطبخ الرئيس الأميركي وولي العهد السعودي ورئيس حكومة الإحتلال طبخة بحص ، والمقاومة إلى تصاعد ، والعزلة الدولية تصيب المشاريع الأميركية  ، وفي العقوبات على إيران يكفي كلام وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو عن إعفاءات ستضطر إدارته لإصدارها لحساب دول لن تلتزم بالعقوبات ولا تريد واشنطن إغضابها أو التصادم معها ، كما كلامه عن بيع إيران نفطها للصين كحقيقة لا مجال لتغييرها ، أما تركيا التي راهن الكثيرون على تصادمها مع روسيا من بوابة إدلب فها هي تعود إلى بيت الطاعة الروسي من بوابة قمة رئاسية عنوانها تجزئة العملية العسكرية إلى مراحل لكن بذات الأهداف ، وبشرط الشراكة التركية فيها ، أما المحكمة الدولية فاللبنانيون أعلم بأنها عجزت عن جذب الرأي العام في لبنان وخارجه بجديد يمنحها مصداقية لابد منها لضمان توظيفها سياسيا ، وتبقى التهديدات الأميركية والإعتداءات الإسرائيلية مجرد يوميات الحرب التي إعتاد السوريون التعامل معها مع بداية كل جولة حسم ليردوا عليها بالجملة مع نهايتها ، بعدما تتكفل صواريخ الدفاع الجوي بتعطيلها  مع كل محاولة جديدة .
  • الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة الذي يعرف أنه مرتبك بسبب حجم الدعم السعودي المتجدد لحليفيه في حزب القوات والحزب التقدمي الإشتراكي ، يعلم أن موقفه عشية الإحتجاز الذي طال حريته قبل عام كان هو الأصح ، وهو ما أكسبه مكانة لبنانية لترشيحه لرئاسة الحكومة رغم وجود الأغلبية النيابية  في غير صالحه ، وهذا الموقف هو الذي وفر له تغطية إقليمية ودولية بعد تحريره لمواصلة لغة التسوية والمصالحة ، ويجب أن يعلم أن إرتداده إلى الخطاب الذي تم فرضه عليه يوم الإحتجاز ، والسلوك الذي أراده أصحاب الإحتجاز ، سوف يمنحه ويمنحهم تأخير الحكومة ، لكنه في النهاية سيفقده الخصوصية اللبنانية التي تكشل مصدر قوته ، وعندها سيكون آخر من يعترف بالمعادلات الجديدة ، لكنه لن يجد من يقف معه  من الذين يزينون له اليوم لغة الإرتداد على خطابه وسلوكه اللذين رتبا إحتجازه ببركة زوار الرياض من اللبنانيين .

 

2018-09-17 | عدد القراءات 1809