نفط وغاز أيضا

منذ ولادة داعش  ككيان جديد في المنطقة وأثار زوبعة من النيران والغبار بفتوحاته ، كان البناء الجديد معلوما انه لم يولد من الغيب ، و أن لا أعجوبة حصلت فتشكل تنظيم من عشرة آلاف مقاتل يملكون  تجهيزات قتالية تتيح  لهم خوض  معارك متعددة في وقت واحد ، ولديهم ما تحتاجه مثل هذه الحروب  من إستطلاع وإستخبارات وتنسيق وشبكات إتصال و أدوات سيطرة وآليات تموضع ، وتبديل وتنظيم وتنقل هذا عدا عن تنسيق النيران و تحديد بنوك أهداف .

عندما  يخوض  داعش  معركة مع الجيش السوري حول مطار الطبقة ويربحها ، ويخوض أخرى تعادلها بعشرة أضعاف للسيطرة على ثلث العراق ، و تسقط بين يديه مواقع تعود لثلاثة فرق من الجيش العراقي تعادل ثلاثين الف رجل بسلاحهم وعتادهم ومستودعاتهم ، ليصير قادرا على تسليح مئة الف رجل ، فإما أن جهاز مخابرات عريق وقادر بحجم المخابرات الأميركية أو التركية أو الإسرائيلية يهندس ويقود وينظم المعارك والخروقات ، لتسقط المواقع بلا قتال و يوفر المعلومات اللازمة للتقدم والتراجع و الأهداف المحتملة ، والطرق الواجب سلوكها والحشد اللازم توافره والسلاح اللازم إستخدامه ،   أو أن داعش  تنظيم سري شديد الخطورة يخترق مخابرات الدول العظمى ، فتراه عبر الأقمار الصناعية وتكشف  تحركاته على مسافات بمئات الكيلومترات ولا تصل المعلومات للقيادة المعنية بمحاربته ، و تكتشف قنوات الإتصالات التي يستخدمها وتمنع أجهزة التشويش  من تعطيلها ، وتحدد مراكز القيادة وغرف العمليات والمستودعات ، من الصور الدناميكية المجمعة وتحليلها على اساس  الحركة ، مجيئا وذهابا منها وإليها بمواكب القادة أو شاحنات التحميل أو هوائيات الإرسال  و لكن يمنع إستهدافها .

لو كان الأمر الثاني لكان نفع إختراق داعش للغير لمدى زمني محدود ، فسرعان ما سيكتشف المعنيون في صناعة القرار ، أن بلوغ  عين العرب ونجدتها المتسمرة من الموصل  بمسافة مئتي كيلومتر ، تحت الشمس والأقمار الصناعية والطيران الحربي والإستطلاعي لا يتم إلا بقرار التغاضي ، وأن التحشيد على الجبهات وتحديد نقاط الإختراق يتم بإرشاد من يعلم ويملك القدرة على الوصول للمعلومات .

يستحيل عسكريا ان يحدث ما نراه يحدث ، ما لم تكن اميركا وتركيا وإسرائيل بحال  تواطئ وتغاض ، فلماذا ؟

إسرائيل معلوم  أنها تريد تشكيل جغرافيا المنطقة على اساس دول دينية متطرفة ، تشبه تصورها لذاتها كدولة يهودية ، كما هو معلوم أيضا أنها لا تدخر وسعا لكل ما يمكن ان يقطع في الجغرافيا اوصال خصومها في حلف المقاومة .

تركيا تفرح لذعر تثيره الخلافة الصغرى لإستبدالها بأمان الخلافة الكبرى ، يصير داعش مصدر الخوف فتصير تركيا العثمانية بديلا مقبولا ، وتركيا ترى بداعش مولودها الذي يجلب لها إستنزاف الأكراد وسوريا وإيران والعراق وحزب الله ، و يزيد الطلب  عليها من اوروبا خصوصا والغرب  عموما .

لكن أميركا التي تعلم ماذا تريد كل من تركيا وإسرائيل ولماذا ؟ فماذا تريد من داعش ؟

أشياء كثيرة تريدها واشنطن من إستجلاب ما  تبقى من متطرفين في بلاد الغرب إلى إستنزاف إيران وسوريا  في المفاوضات ، إلى مالا يقل أهمية وهو رسم خريطة النفط والغاز في المنطقة ، من اليمن إلى العراق وسوريا حيث تتشابك خطوط الأنابيب الآتية من الخليج والواصلة إلى المتوسط .

في الخليج ما عاد ممكنا الرهان على باب المندب كممر آمن للمحور السعودي التركي القطري ، وبالتالي الذهاب عبر قناة السويس بحرا دون شراكة اليمن الجديد وحليفه إيران ، ولا عاد ممكنا الرهان على إضعاف الحاجة لروسيا كمصدر للنفط والغاز بدون الإمساك بشطيرة جغرافية متصلة من العراق  وسوريا تربط حدود تركيا بحدود الخليج عبر الأردن والسعودية ، ولا عاد ممكنا لبلوغ  هذا الهدف الرهان على  داعش ضامنا للأنابيب ، ولا التعامل مع  هذه الإمارة كدولة باقية ، فهذا مصدر مخاطرة كبرى ، لأن نهاية داعش  على يد  إيران وحلفائها سيقضي  على كل الآمال وهو أمر ممكن ، ما يمكن هو إمتلاك ورقة حياة داعش ، بما  تقدمه لها واشنطن ن اسباب  للمعرفة والقوة  ، لتتم مفاوضة روسيا و سوريا والعراق  وإيران على حل تفاوضي وسط  في سير أنابيب النفط والغاز ، فيترك المجال للخطين يسيران بالتوازي ، خط قطر تركيا إلى أوروبا وخط إيران والعراق  وسوريا إلى المتوسط فأوروبا ، و يخرج الجميع وفقا لمعادلة رابح رابح و لا يلغي أحد ، خطي الأنابيب معا إستحالة بدون أوراق تفاوض قوية ، أهمها رأس داعش  .

مرة أخرى نفط وغاز و أميركا وإسرائيل .

2014-11-10 | عدد القراءات 1677