تعرف روسيا جيداً

– حاول البعض تكبير حجم التحليلات المستندة إلى الدعسة الروسية الناقصة في قضية بقايا جندي السلطان يعقوب وتسليمها لكيان الاحتلال ضمن حسابات روسية إسرائيلية وما تضمنتها من مرارة لدى السوريين وبيئة محور المقاومة، خصوصاً الأسرى في سجون الاحتلال وعائلاتهم الذين ترتبط حريتهم بعمليات تبادل تعتمد على مثل البقايا التي سلمتها روسيا لـ»إسرائيل».

– ذهب البعض إلى تصوير روسيا أقرب لـ»إسرائيل» من سورية. وذهب البعض إلى تصوير روسيا دولة تتاجر بتضحيات السوريين وقوى المقاومة. وتحدّث البعض عن صفقة كبرى تتضمن رضى روسياً عن ضم الجولان أسوة بما فعله الرئيس الأميركي واعتبار صفقة القرن مشروعاً توافقياً روسياً أميركياً.

– العودة إلى البدايات وحدها تكشف الحقائق. فالثوابت لا تظهر إلا في البدايات عندما كانت كلفة الوقوف دفاعاً عن سورية بالنسبة لروسيا اقتصادياً وسياسياً وأمنياً تعادل المخاطرة بحرب مع أميركا و»إسرائيل» وتركيا ودول الخليج وتنظيم القاعدة التي مثلت مجتمعة لخمس سنوات على الأقل حلفاً متماسكاً يأمل بالانتصار في سورية وينظر للمواقف الروسية كمصدر تخريب على مشروع القرن أو صفقة القرن الحقيقية. وثبتت روسيا ولم تتزحزح وهي تعرف أنها تواجه أطراف الحلف جميعاً وقد وصلتها رسائل الإغراء والتهديد من الجميع.

– عندما كان الموقف الروسي على ثباته كانت الخسائر تتبدى أمام الحلف المقابل، ولا يمكن إنكار حجم التبدلات التي أصابت مواقع أطراف هذا الحلف وخصوصا تركيا بفعل موقع روسيا وموقفها.

– الأكيد أن روسيا بنت موقفها وحجم تضحياتها على قراءة مصلحتها العليا، لكن جوهر هذه المصلحة العليا يتلخص بمعادلة اعتبار منع سقوط سورية أمراً يستحق المخاطرة بالتصادم مع أميركا والناتو و»إسرائيل» ودول الخليج، ولكل منها قدرة تأثير سلبي على روسيا إلا إذا البعض أراد القول إن «إسرائيل» كانت لا ترغب ولا تعمل على إسقاط سورية وان وجود جبهة النصرة على حدود الجولان كان فعلاً فلكياً.

– بين سورية والجميع اختارت روسيا سورية ودفعت كلفة الاختيار بما في ذلك استعدادها لإعادة بناء مقدرات الجيش السوري وصولاً لتعزيز دفاعاته الجوية. وهذا أمر لا نقاش في مدى إصابته للمصالح الإسرائيلية بالأذى وبالأخص مع مكانة سورية في محور المقاومة.

– في مرات كثيرة تخيّل البعض أن تتراجع روسيا، لكنها واظبت مع كل معركة مفصلية في إثبات اولوية وقوفها مع سورية، ولعل معارك جنوب سورية أكبر دليل على أولوية سورية على الحسابات الإسرائيلية بالنسبة لموسكو، وهو ما فرض الانكفاء الإسرائيلي في جبهة جنوب سورية.

– عندما بدأت نتائج الثبات تثمر انتصاراً كان طبيعياً أن توظف روسيا هذه الثمار أو بعضها. والطبيعي أن يخضع التوظيف لحسابات المصالح الروسية بما فيها أحياناً من أخطاء أو تفرّد أو ضعف أو سوء في التقدير الصحيح لمصلحة التحالف وقوته.

– لا يمكن تخيّل تبديل روسيا لموقعها بعد الانتصارات وهي تدرك أن حلف الحرب على سورية سيعود للسعي لإسقاط سورية أو إيران أو كلتيهما. وعندما يتحقق له أي من ذلك لن يتوقف بل سيكمل وصولاً لاستهداف روسيا المحصّنة كما حلفائها بمتانة هذا التحالف. والحرب لم تنته طالما أن زمن التسويات يبدو بعيداً.

– أخطأت روسيا وكان يجب أن تسمع كلام العتب والغضب وقد سمعته، لكنها ليست ضمن خيانة أو مؤامرة وليوقف المتذاكون فذلكاتهم.

ناصر قنديل

2019-04-19 | عدد القراءات 2360