– بالمقارنة مع المرحلة الأولى من عهده يمكن قياس تقدّم وتراجع الرئيس التركي رجب أردوغان الذي قد يبدو في الظاهر في موقع متقدّم بعد تعديل الدستور وجعل النظام رئاسياً والحصول على صلاحيات رئاسية استثنائية، كما قد يبدو كذلك بقياس حجم الضربات الانتقامية التي وجهها أردوغان لخصومه في الجيش والقضاء والتعليم وطالت مئات الآلاف من الذين أبعدوا عن الوظائف العامة للدولة بحجة تورطهم في محاولة الانقلاب الفاشلة التي استهدفته.
– المقارنة إلى سابق عهد اردوغان ستعيدنا إلى ما قبل تفوّق الصفة الأخوانية لأردوغان على صفته كرئيس لحزب العدالة والتنمية، عندما كان الحزب يحظى برئاسة الحكومة ورئاسة الدولة معاً ما يعني أن الذهاب للنظام الرئاسي لم يحقق مكسباً للحزب على حساب حزب منافس، بل لأردوغان على شركائه في الحزب وعندما كانت جماعة فتح الله غولن قوة داعمة لنظام أردوغان وكان مئات الآلاف الذين يقبع أغلبهم في السجون وقد أبعدوا من الدولة يشكلون بعضاً من القاعدة الشعبية للنظام الحاكم ما يعني أن الانتصارات الظاهريّة لأردوغان هي تعبيرات عن تشقق الصف المساند له وليس عن توسّعه.
– قبل سنوات كانت السياسة الاقتصادية لحكم العدالة والتنمية موضع تسليم من خصومه بأنها مصدر الجاذبية الرئيسية للحزب الحاكم والتي لا يمكن مضاهاتها. فقد عرفت تركيا مع هذا الحزب بقيادة أردوغان أفضل أيام الازدهار الاقتصادي وكانت تركيا الموثوقة بين حلفائها في الأطلسي موضع احترام من روسيا والصين وكانت المفاوضات التي تخوضها تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي تتقدّم ولو ببطء، لكن تركيا التي كانت تتبنى استراتيجية للعلاقات الخارجية تحت عنوان عداوات صفر مع الجيران قد نجحت بتطبيع العلاقات بكل من سورية والعراق واليونان وإيران وكانت على مستوى المنطقة تتقدّم على السعودية ومصر في الشارعين العربي والإسلامي على خلفية تبنيها لفك الحصار عن غزة وإرسالها سفن فك الحصار وللمواقف التي أطلقها أردوغان في مؤتمر دافوس بوجه شيمون بيريز ولموقف تركيا خلال حرب تموز على لبنان عام 2006.
– خلال سنوات لاحقة ظهر مشروع أردوغان بالسعي لوضع اليد على حزبه وإقصاء شركائه الأقرب بدءاً من الرئيس عبدالله غول. ثم ظهر التصادم مع فتح الله غولن، ثم سقطت مفاوضات الشراكة الأوروبية، ثم تحوّلت تركيا قاعدة للحرب على سورية، ثم تورطت تركيا في الداخل العراقي، وفتحت تركيا حدودها لجماعات القاعدة، وتصادمت مع روسيا ومن ثم اشتبكت مع أميركا حول دور الأكراد والعلاقة معهم، وتراجع الوضع الاقتصادي إلى مراتب متدنية، وبعدما كانت انتخابات بلدية اسطمبول أقوى نماذج القوة الشعبية لأردوغان شخصياً ولحزبه وجد أردوغان انه يواجه خطر سحب بساط عاصمته السياسية من تحت قدميه ويضطر لإبطال نتائج الانتخابات لينال فرص الفوز وربما التزوير للفوز بها.
– المصير الذي بلغته تركيا مع أردوغان والذي بلغه الحزب معه، رغم ما أتيح له من فرص يقول شيئاً واحداً يتصل بطبيعة المشروع الذي يحمله أردوغان ولا يظهره للأتراك ولحزبه. وهو المشروع الذي رهن تركيا وحزب العدالة والتنمية لحساب مجموعة إخوانية ضيقة ترضي عطش أردوغان للسلطة، لكنها تسترهن تركيا وحزب العدالة والتنمية لحساب سياسات فئوية لا يمكن إقناع الحزب والأتراك بأنها تستحق الأثمان التي تدفعها تركيا والمكانة التي انحدر إليها الحزب، كمثل إصرار أردوغان على تخريب التفاهمات في سورية للحفاظ على مكانة الأخوان بفرعهم السوري بعدما انتهت بهم الحال إلى الخذلان والخسارة.