فعلا لم يحدث هذا منذ ألف عام نقاط على الحروف ناصر قنديل
في كلام سابق للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله إشارة إعتبرها مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران الإمام علي الخامنئي بصيص أمل ، عن إقتراب موعد تحرير القدس من الإحتلال ، وفقا لما وصفه نصرالله بالإستدلال بالمنطق واقع المعادلات والتوزانات ، رابطا أمله الشخصي بالصلاة في القدس بمعادلة الحياة والموت التي لا يمكن التحكم بها ، رغم وقوع توقعاته لتحرير القدس ضمن المدى المنطقي لما يمكنه من أن يكون شاهدا على التحرير ، وفي كلام لاحق لمستشار الإمام الخامنئي الدكتور علي ولايتي ، المعروف بمكانته في الملفات الإستراتيجية في فريق الإمام الخامنئي ، إشارة إلى أن إسقاط الطائرة الأميركية الإلكترونية العملاقة وإحتجاز ناقلة النفط البريطانية ، أحداث تمثل منعطفا في تاريخ العالم الإسلامي .
بالعودة إلى التاريخ تبدو منطقة الساحل الشرقي للبحر المتوسط وعمقها الآسيوي ، كميدان جغرافي للمواجهات التاريخية بين الغرب والشرق ، مسرحا لتسجيل إنتصارات الغرب وهمينته وإستعراضاته العسكرية ، وفرض مصالحه الإقتصادية منذ خمسة قرون على الأقل عندما بدأت الإمبراطورية العثمانية تقدم التنازلات للدول الأوروبية في جنوب السلطنة ، لضمان مصالحها في بلدان الشمال ، وصولا لتفكك السلطنة مع الحرب العالمية الأولى وما تبعها من ترسيخ للهيمنة الغربية ، لكن حتى مراحل صعود السلطنة العثمانية لم تشهد ردعا للصولات والجولات الغربية نحو شرق المتوسط ، فخلالها نشأ ما عرف بعهد القناصل ، وتنامي الإرساليات ، ونشوء النسخ البدائية للوكالات التجارية .
آخر ما يكتبه التاريخ عن يد الشرق العليا في شرق المتوسط كان في تمكن شعوب المنطقة من مواجهة حملات الفرنجة التي سميت بالحروب الصليبية وإتخذت الدين شعارا لها لحشد المشاركة في التعبئة لقواتها نحن شعار الذهاب إلى القدس ، بينما سحقت في طريقها إلى فلسطين كل الكنائس الشرقية وقتلت ألالاف من قساوستها ورهبانها ، ودمرت ممتلكاتها ، وقتلت عشرات الألاف من رعاياها ، والملفت أن حروب الفرنجة نجحت يومها خلال الفترة الممتدة من نهاية القرن الحادي عشر إلى نهاية القرن الثاني عشر ببناء مستوطنات في فلسطين ونجحت بوضع يدها على القدس ، بصورة لا تختلف كثيرا عن واقع كيان الإحتلال اليوم ، وبقيت الأساطيل الغربية ومحاولات تأمين طريق بري بحملات مستديمة ، هي مصدر الحماية الذي يشكل مصدر قوة هذا الكيان الإستيطاني الناشئ يومها .
مع تحرير القدس في نهاية القرن الثاني عشر ، وجعلها متاحة لكل المؤمنين لممارسة عباداتهم وشعائرهم الدينية ، إنتهت عمليا الحروب الكبرى وبقيت مناوشات إستمرت تحت مسمى حملات صليبية لكنها لم تقدر أن تغير الواقع الجديد ، حتى نشوء كيان الإحتلال منتصف القرن العشرين ، لكن الملفت بالقياس الترايخي أنه منذ نشأة هذا الكيان القائم على إغتصاب فلسطين ، للمرة الأولى يبدو محاصرا بصواريخ قوى المقاومة ومقاتليها من كل الجهات عاجزا عن خوض حرب ، وتبدو الأساطيل البحرية والجوية والبرية لنجدته عاجزة عن تشكيل توزان ردع في المنطقة ، وهذا هو مغزى ما تمثله حوادث إسقاط الطائرة الميركية وإحتجاز الناقلة البريطانية .
منذ ألف عام لم يحدث مثيل لذلك ، رغم ما تلقته الأساطيل الغازية لنابليون بونابرت على سواحل مصر أو أسوار عكا ، ورغم حروب المواجهة التي خاضها جمال عبد الناصر في مواجهة العدوان الثلاثي ، فقد بقي في كل حالة منها مجال للإعداد لجولة قادمة حيث كان إحتياط الغرب القوي ينتقل من ضفة إلى ضفة ، كما هو حال الأفول الفرنسي لحساب بريطانيا والأفول البريطاني لحساب أميركا ، ، وهذا مغزى القول اليوم أنه منعطف تاريخي ، وبصيص أمل .