– تمتلئ الساحات السياسية بظواهر لدول وقوى فقدت إمكانياتها التي جعلت منها فترة من التاريخ قوة قادرة على صناعة السياسة وصار كل ما تمتلكه هو هذا الإرث التاريخي فتحاول ملء فراغات ضعفها بالتذاكي.
– واشنطن تقدّم في الخليج مثالاً عن هذا التذاكي فهي عاجزة عن التصرف كقوة عظمى لتقوم على الاعتراف بحقائق متغيرات القوى في المنطقة. وفي مقدمتها أن إيران قوة إقليمية عظمى لا يمكن تجاهلها ولا تطويقها بقوى شاخت وباتت عجائز تنتظر من يقرر مصير إيوائها ورعايتها كما هو حال السعودية وظهور قوى شابة صاعدة كأنصار الله يكتبون من الضعف قوة، وبالمقابل تعجز واشنطن عن ترجمة مصادر قوتها التاريخية على المواجهة بقدرة راهنة على خوض حرب فلا يتبقى إلا التذاكي عبر الإيحاء بالقدرة على المواجهة مرة والإيحاء بالقدرة على صناعة التسوية مرات، لكن التذاكي لا يصنع سياسة.
– إسرائيل تعيش حالاً مشابهاً في مواجهة المقاومة في فلسطين ولبنان، فهي لا تتحمل الاعتراف بالمتغيرات التي كشفت أن قوى المقاومة كفاعل إستراتيجي قادر على خوض الحروب، ولكن «إسرائيل» لا تحتمل أيضاً خوض الحروب فيصيبها العجز المزدوج بمرض الوهم بالقدرة على الاكتفاء باستعراضات القوة وإطلاق التهديدات على أمل أن يصنع التذاكي سياسة والتذاكي لا يصنع سياسة.
– تركيا التي فقدت زخم الصعود منذ سنوات بعدما تكسرت رماحها بمواجهة روسيا في الأجواء السورية، وبدأت التراجع وإنكار التراجع، ترفض الاعتراف بأنها فقدت عناصر الحضور كقوة صاعدة وترفض التسويات التي تتناسب مع حجمها الجديد، وتعجز عن الأدوار التي يفرضها الحفاظ على موقعها القديم، فلا تجد غير التذاكي بالاستعراض والتباهي، لكنه التذاكي الذي لا يصنع سياسة.
ناصر قنديل
2019-08-02 | عدد القراءات 3267