ناصر قنديل
– نجاح جديد للدبلوماسية الروسية والحزم السوري، في أهم عملية تعاون من موقعين متقابلين روسي وسوري، في التعامل مع أخطر لعبة مراوغة إقليمية، تمثلها قيادة الأخوان المسلمين في الرئاسة التركية، حيث كانت روسيا على مدار سنوات تقف على ضفة الاحتواء للدور التركي بينما تقف سورية على ضفة الاشتباك، وكاد الجمهور المؤمن بالتحالف الراسخ والعميق بين روسيا وسورية يقع في الاشتباه مراراً لتهديد هذا التحالف والقلق على سقوطه، بسبب ما ظنه تبايناً في النظرة للدور التركي المخادع، واستغل الكثير من دعاة التشويش والتشويه هذا التعاون الروسي السوري من موقعين متقابلين للنيل من صدقية التحالف بينهما، كما فعلوا في شأن مشابه يخصّ الاعتداءات الإسرائيلية فقالوا، تحلمون بأن تفضل روسيا سورية على «إسرائيل»، وقالوا، واهمون بأن تفضل روسيا سورية على تركيا، وجاءت الوقائع لتقول لهم، واهمون ومشتبهون أنتم بظنكم أن روسيا تفضل تركيا و«إسرائيل» على سورية.
– كان التعاون من موقعين متقابلين صعباً وشاقاً على الحليفين الروسي والسوري، لكنه أثبت فعاليته وصحته وقدرته على تحقيق الإنجاز. وهذا ما قالته معارك حلب مع بداية التموضع التركي في منتصف الطريق بين حلف الحرب وحلف السلم في سورية، واختيار خط المراوغة والخداع. وها هو التعاون من هذين الموقعين المختلفين لروسيا وسورية اليوم يثبت فعاليته في إدلب، ومثله لا يزال التعاون من موقعين متقابلين ومختلفين لروسيا وسورية في التعامل مع الاعتداءات الإسرائيلية، قاعدة لنمو مستدام لمقدرات الدفاع الجوي السورية بدعم روسي ثابت ودائم، وتقدّم مضطرد للخطوط الحمراء أمام سلاح الجو الإسرائيلي ترسمها الصواريخ السورية ذات المصدر الروسي، وارتفاع متتابع لسقوف المعادلات التفاوضية، التي تصنعها سورية بقوة القدرة على الاشتباك ومعها حلفاؤها في خيار المقاومة، وتتلقفها روسيا لصناعة سقوف جديدة للتفاوض، أوصلت واشنطن يوماً لعرض مقايضة انسحاب قواتها بالانسحاب الإيراني، وتفتح اليوم عنوانا لمقايضة قد يطول الوقت لفرضها، لكنها بدأت تصير على الطاولة، وعنوانها الانسحاب الإسرائيلي من الجولان مقابل الانسحاب الإيراني من سورية.
– في إدلب ومنذ أكثر من سنة، مع نهاية معارك جنوب سورية، والأنظار على موقف تركيا، ودرجة استجابتها لمتطلبات تفاهمات أستانة وأكذوبة الفصل بين الجماعات الإرهابية والجماعات المعارضة، والجيش السوري يستعدّ لمعركة فاصلة ويعتبر الجيش التركي محتلاً أراضي سورية يتمركز فيها بصورة غير شرعية، ومن استانة إلى اتفاقات سوتشي، وخطة مرحلية لتحقيق الفصل، ومراوغة تركية جديدة، واستعدادات سورية جديدة، حتى دنت الساعة وبدأ الجيش السوري عملياته ورمت تركيا بثقلها وراء الجماعات الإرهابية كما فعلت من قبل في حلب، ولما دنت الهزيمة، وافقت تركيا على المسار البديل، فرفضت الجماعات الإرهابية، وصار الحسم العسكري سورياً روسياً بدعم الحلفاء، تحت مظلة أستانة قدراً لا بدّ منه بوجه الأتراك.
– الذكاء الاستراتيجي بين الحلفاء يتفوّق على الخداع والمكر في تكتيكات الخصوم.
2019-08-05 | عدد القراءات 14359