ناصر قنديل
– لا يحتاج المرء كثير أدلة لينتبه أن موقف لبنان الرسمي ومصر الدولة في نمط التعامل مع سورية، بعلاقة دبلوماسية وتعاون أمني، وشبه غياب سياسي، ليس نابعاً من توازنات وضعهما الداخلي، ولا من مصالح الدولة. فالحاجز السعودي وحده يفسّر عدم مقدرة كل من لبنان ومصر على تطوير صيغة ومستوى العلاقة بسورية، بالرغم مما تشكل هذه العلاقة لكل من البلدين من حاجة ماسة وضروريّة يظهرها أي تدقيق بسيط بالمصالح، لا يستطيع إنكاره أشد المتعصبين لمكابرة الحديث بلغة مكابرة ضيقة لبنانية أو مصرية. فلبنان الذي يختنق اقتصادياً ومالياً يعلم أن مفاتيح التنفس الذي يحتاجه وجودياً في هذه المرحلة تتمثل بتوسيع قدرات التصدير الصناعي والزراعي وتكبير حجم حركة الترانزيت والسياحة. وبدون تشاطر بوابة كل هذا هي في بوابة سورية المباشرة نحو أسواقها، وفي بوابتي سورية المشرعتين نحو العراق والخليج في معبري نصيب والبوكمال. وأن سوق السياحة العراقي هو الوحيد الجاهز صيفاً وشتاء كما كان في الماضي لملء شواغر الفنادق والمنشآت التربوية والصحية اللبنانية، وأن حاجة لبنان الحيوية لمعالجة ملف النازحين وتخفيف حجم الضغط على الاقتصاد لها بوابة وحيدة هي سورية.
– في مصر قد لا يكون الأمر اقتصادياً بمثل ما هو في لبنان، لكنه مصيريّ ووجوديّ أيضاً. فمصر التي تهتز داخلياً عندما لا تجد مكانها الذي تستحقه في الإقليم، هي مصر التي تستشعر التحديات المقلقة على أمنها القومي التي يقف وراءها الأتراك عبر ليبيا أو مباشرة عبر الأخوان المسلمين داخل مصر، وهي التي تدرك دقة معادلة الأستاذ الكبير الراحل محمد حسنين هيكل، حول أولوية الدور في صناعة الدولة واكتمالها في مصر، التي تختنق عندما تبقى سجينة الحدود في ممارسة الدور، ومعادلات المنطقة التي ضغطت على مصر للمشاركة في الحرب على سورية، فعاقبت مصر تورّط حكم الأخوان في المخاطرة بهذه اللعنة، بإقصائهم بوحدة شرائح شعبية واسعة مع الجيش المصري لوضع حدّ لهذه المقامرة. هي المعادلات التي عادت لتضغط على مصر للمشاركة في حرب اليمن، ونجحت مصر بالتملّص منها، لكنها المعادلات التي بلغت نهاياتها، مع الجدار المسدود الذي اصطدم به أصحاب الحروب، وباتت حاجتهم لمصر من نوع آخر، حاجة لدور لا يجرؤون على طلبه حفظاً لماء الوجه، لكنهم يحتاجونه، حفظاً لماء الوجه أيضاً.
– ما جرى ما بعد إسقاط إيران للطائرة الأميركيّة، وما بعد عملية حزب الله في أفيفيم في فلسطين المحتلة، وما بعد هجوم أرامكو النوعي لأنصار الله، يقول إن قوى الحرب فقدت القدرة على مواصلتها، لكنها فقدت سلفاً جسور التراجع، وإن سورية قلعة محور المقاومة وحدها خشبة خلاصهم للنزول عن شجرة التصعيد والذهاب إلى منصات التفاوض وصناعة التسويات، وإنهم يعرفون معنى ما قالوه عن تأييد اللجنة الدستورية السورية، التي ولدت من رحم مرجعية لإيران دور قيادي فيها. وهي إيران التي سحبوا منها الدعوة التي وجّهت إليها قبل سنوات للمشاركة في مرجعية موازية في جنيف لصناعة الحل السياسي في سورية، لكن كل شيء قد تغيّر. فهم يرسلون كلمة سر تؤشر لاعترافهم بحجم التغير، ويفتحون الباب لغيرهم من بوابة اعتبار تشكيل اللجنة والدعم الذي حازته من الحكومتين الأميركية والسعودية خصوصاً، جواز مرور لمن يلتقط الإشارة كي يتقدّم، ولا معنيّ آخر بالتقاط هذه الإشارة بمثل ما هو حال لبنان ومصر.
2019-10-02 | عدد القراءات 1944