– يتعامل الوسط القوميّ واليساريّ مع المشاهد التي ترد من بيروت وبغداد والقاهرة بصفتها تعبيرات تطرح أسئلة حول ما إذا كانت مناخاً ثورياً يستدعي المواكبة أم هي مشاهد سياسية غالباً ذات صناعة خارجية تستغلّ غضباً واحتقاناً في الشارع وتحاول توظيفه في مشروع خبيث.
– على كل من التصوّرين ينبني موقف سياسي، فإن كانت إرهاصات ثورية عفوية ستتوسّع، كما يقول أصحاب هذا الرأي، فيجب تزخيمها وتفعيلها والسعي لتوسيع نطاقها وقيادتها لتصير ثورة كاملة ويرد هؤلاء على مَن يذكّرهم بتجربة الربيع العربي ومخاطر الفوضى وركوب الموجة ممن هم جاهزون وأكثر استعداداً للذهاب بالساحات الوطنية نحو حال أسوأ مما هي عليه باستحضار نموذجي السودان والجزائر، لكن السؤال هل دور الجيوش في كل من السودان والجزائر يجعلها شبيهة بالربيع العربي كتغيير من داخل النظام يجدّد بناه ولا يغيّرها أم يضعها في سياق ثوري تغييري؟ وماذا عن المواكبة الخليجيّة والغربيّة والتأييد الأميركي؟
– الأكيد أن الهياكل اليسارية والقومية أثبتت ضعفها عن القدرة على قيادة حراك شعبيّ والسير به نحو برّ الأمان وفقاً لخبرة تجارب الربيع العربي جميعاً والعودة لخوض التجربة ذاتها بالمعطيات ذاتها ستجلب النتائج ذاتها، والأكيد أيضاً أن توقيت الإرهاصات الذاهبة بمشروع الفوضى بلا سقف واضح وسياسات وشعارات تحدّد هويتها جاء على خلفية ما شهدته مواقف الحكومات في هذه البلدان من العلاقة بسورية ما يجعل الرهان على ما هو أبعد من الفوضى كسقف مرسوم ومسيطر عليه لتوجيه رسائل إقليميّة ودولية هدفها ضبط هذه الساحات نوعاً من الحماقة.
– لا يجوز أن يعني هذا الكلام الدعوة لإدانة التحرّكات، بل لتوضيح خطورة الفوضى والاشتراط للمشاركة فيها سلميّتها وتنظيمها وضبطها خارج مشروع الفوضى والتفتيت، وأن تتحمّل رؤوس المعنيين بعض الماء البارد لتقرأ بعقولها ما يجري ولا تعوم على شبر ماء.
ناصر قنديل
2019-10-04 | عدد القراءات 134139