مَن ورّط الحراك بفخ الصدام مع الجيش؟

ناصر قنديل

– منذ بداية الحراك وشعارات التمجيد بالجيش والتطلّع لقيادته للتغيير عنوان مشهد الساحات. وخلال الأيام التي مضت بدا بوضوح أن بعض التحرّشات التي تعرّضت لها ساحات الحراك واجهت تحركاً عاجلاً وسريعاً من الجيش لتوفير الحماية الصادقة للساحات. وفجأة ظهر قرار تحويل الحراك من الاعتصام في الساحات إلى قطع الطرقات، ومثلما ظهر في اليومين الأولين مَن يشرعن أعمال الحرق والسرقة التي تعرّضت لها بعض المحال التجارية، متحدثاً عن أن الفوضى سمة الثورات، خرج من يزيِّن للحراك قطع الطرقات وفرض الإضراب بالقوة وتجميع الحشود بالقوة، باعتبارهما نوعاً من الديمقراطية الثورية، ديمقراطية تشبه حكم بول بوت في كمبوديا الذي أعدم مئات الآلاف من الذين رفضوا إصلاحاته، وشعاره أن إسعاد الناس يمكن أن يتمّ بالقوة، فهو أعلم بمصلحتهم.

– فلسفة قطع الطرقات هي ما يسمّيه المدافعون عنه بالسعي لتحقيق شلل عام يشبه حال العصيان المدني، للمزيد من الضغط لإسقاط الحكومة، لكن في ذلك لعبة تذاكٍ تُخفي شعوراً بضعف الحراك وحجم تأييده الشعبي، وخشية من تبدّد قوته الشعبية مع الوقت، أو وهذا هو الأرجح، الاستعجال بأجندة الحراك بسبب أجندات لا علاقة له بها ولا تحتمل الانتظار. فاللجوء لإجراءات بحجم قطع الطرق كجزء من عصيان مدني يستدعي إعلان سقوط الشرعيّة الدستوريّة القائمة، والإعلان عن حكومة مؤقتة تحظى بثقة الشعب أو الحراك على الأقل، أو التمهيد لذلك، والتفاوض مع القوات المسلحة لنيل دعمها، وفي حالة لبنان التفاوض مع حزب الله لا يقلّ أهمية، ضماناّ للإمساك بالأمن، وإنذار مسؤولي السلطة الحاكمة بتسليم مقارهم، ومواكبة ذلك بانتشار الشعب في الطرقات. وما عدا ذلك وضمن الشرعية الدستورية الحالية والسياق القانوني الناجم عنها، يصير قطع الطرقات عمل قرصنة، وإعلان إفلاس، فالدعوة للإضراب حق، لكن الاستجابة أو عدم الاستجابة حق موازٍ، فالمدارس والجامعات والشركات والمؤسسات والمرافق الحكومية، طبيعي أن تعلن فتح أبوابها، والطبيعي أن يعود للموظفين والطلاب أن يأتوا أو لا، وعندما يصير كل رهان الحراك هو على منع الطلاب والأساتذة والموظفين والعمال من بلوغ مراكز تعليمهم أو عملهم فهذا الإفلاس بعينه. وقد سمعنا في نقاط عديدة لقطع الطرق مَن يشتم الناس لعدم تلبية نداء المساندة بوجه محاولات الجيش فتح الطرق، ويبدو أن هذا ما يريد البعض توريط الحراك به، فيصير الحجم الحقيقي للحراك متوقفاً على ما تضخه القوى التي تملك قدرة تحريك بلوكات حزبية ويخسر الحراك شعبه الطيّب.

– دُعي الجيش من الحراك ليكون شريكاً في شرعية جديدة تنقلب على النظام ورفض الدعوة، والحراك يعلن عدم قدرته ويعترف بعجزه عن تشكيل شرعية ثورية منفردة بقوة الساحات تحكم البلد. وهذا يعني أن الحراك مستمر ضمن إطار الشرعية الدستورية القائمة وتحت سقف قوانينها، وعليه أن يقبل بأن قطع الطرق مشروع تصادم مع الجيش، وفرصة للمتربّصين لاستغلال شعارات ثوروية لجرّ الحراك لهذا التصادم مع فئات شعبية واسعة تؤيد بقاء الحراك في الساحات وتريد الذهاب نهاراً إلى أعمالها وجامعاتها ومستعدّة لتشارك ليلاً في الساحات، والتصادم مع هذه الفئات يجرّ التصادم مع الجيش، وقد رأينا المشهدين معاً بالأمس، وإذا كان البعض مستعجلاً لأنه قدّم التزامات للخارج بمواعيد معينة، سواء كان هذا البعض حزبياً او إعلامياً أو مخابراتياً، فيجب أن يسمع لا كبيرة من الحراك، حرصاً على البقاء والنقاء وصولاً للنصر بوصفة الصبر.

– الغريب العجيب أن لا أحد في الحكومة والحراك يريد أن ينتبه لمطلب صغير يغيّر الكثير، وهو أهم من لعبة الكرّ والفرّ في الطرقات، وهو إعلان حكومي برفع الحصانة عن الوزراء والمدراء الحاليين في كل قضايا الفساد والهدر، ودعوة القضاء لفتح الملفات التي يملكها، ودعوة من يملك ملفات أخرى للتقدم بها أمام القضاء، ولنتذكر كم من وزير ومدير تهرّب من المثول أمام القضاء بداعي عدم منح مجلس الوزراء الإذن بذلك، وصلاحية التخلّي عن حق منح الإذن يمكن أن تصدر اليوم عن مجلس الوزراء، وأن تصدر أمس كشعار للحراك الذي استنزف قواه في مواجهات عبثية وضد مصلحته وضد مصلحة البلد مع الجيش، تهدّد بفكفكة الحلف الثلاثي المستهدف بأكثر من عنوان وساحة، الشعب والجيش والمقاومة، وهو المشروع الأسود الذي يدبّر للبلد.

2019-10-24 | عدد القراءات 3402