شقير وفواتير وبطاقات الخلوي: مَن يسائل؟

ناصر قنديل

– قبل شهر تماماً وفي الثالث من الشهر الماضي، أي قبل اندلاع الحراك الشعبي بفضل وبركة قرار وزير الاتصالات محمد شقير بنصف شهر، ومن هذه الزاوية بالتحديد توجّهنا بكتاب مفتوح إلى وزير الاقتصاد منصور بطيش طلباً للتحرك لفرض تسعير بطاقات وفواتير شركات الخلوي بالليرة اللبنانية، شارحين حجم السوق المفتعل الذي ينشأ عن التسعير بالدولار، ويتسبب بالضغط طلباً للعملة الأجنبية في شبابيك الصرافين، والمقدر بحوالي مئتي مليون دولار شهرياً، وفي منتصف ذلك اليوم وجّه وزير الاقتصاد مشكوراً كتاباً رسمياً لوزير الاتصالات وشركات الخلوي يطلب فيه التسعير بالليرة اللبنانية. فالشركات لبنانية والزبائن لبنانيون ويقبضون رواتبهم بالليرات اللبنانية، والقانون اللبناني يحظر تسعير البضائع والخدمات بغير الليرة اللبنانية.

– خلال شهر كان وزير الاتصالات، يرفض الاستجابة، ويبرر مرّة بأن الأمر يتسبّب بخسارة الخزينة لعائدات بالدولار، ولدى الرد عليه بأن هذه الدولارات يجري شراؤها بواسطة ليرات لبنانية من ثلاثة ملايين لبناني بالمفرق، فلتقم الخزينة بتلبية حاجتها من مصرف لبنان أفضل من خلق هذا التلاعب بالسوق، يردّ الوزير بأن العقد الموقع مع الشركتين ينصّ على التسعير بالدولار، وعندما نردّ بأنه قد يكون مفهوماً أن تصرّ الشركتان على قبض حصتهما بالدولار، وتمويل حاجات قطع الغيار والمشتريات من الخارج للتطوير بالدولار، ونقول حسناً، أضيفوا ملحقاً تتعهّد فيه الدولة بسداد مستحقات الشركات وحاجات المشتريات الخارجية بالدولار مقابل التسعير بالليرة اللبنانية للفواتير والبطاقات، فيأتي ردّ الوزير بأن الأمر يحتاج لقرار من مجلس الوزراء، وكان الحراك قد بدأ في الشارع، حتى جاءت استقالة الحكومة وصار انعقاد الحكومة واتخاذها قراراً بذلك مستحيلاً بانتظار حكومة جديدة.

– أمس، قرّر الوزير ببساطة أن ذلك كان ممكناً، وأنه كان يعبث باللبنانيين، ويتسلّى بمسؤوليته في الحكومة، وأن الكلام عن الاستحالات كان اختلاقاً، وبأحسن الأحوال كان كسلاً، لأن هناك من يقول إن دراسة قانونية طلبها رئيس الحكومة أجابت بإمكانية التسعير بالليرة اللبنانية، وثمّة من يقول إن حاكم مصرف لبنان طلب ذلك ضمن إجراءات تخفيض الضغط على الليرة لصالح الدولار، لكن الحصيلة كانت كشف نموذج ممارسة سلطوية عبثية وغير مسؤولة وكسولة، مقابل ممارسة قدّمها وزير الاقتصاد تتسم بالإيجابية والجدية وروح المسؤولية.

الآن وقد قرّر الوزير، نضع برسم رئيس الحكومة المستقيلة، ومن ضمن تصريف الأعمال، دعوة لتطبيق فوري لما سبق واقترحه في لقاء بعبدا الاقتصادي قبل شهرين، وما دعوناه إليه مراراً، من قيام الدولة بشراء حاجات السوق من المحروقات والقمح مباشرة من دولة إلى دولة، ودول عديدة يمكن أن تمنح لبنان هذه الفرصة وتمنحه تيسيراً في السداد وتخفيضاً في الأسعار، وأن تقوم الدولة بتسليم الطحين والمحروقات بالليرة اللبنانية، منعاً لوقوع البلاد في أزمات بنزين وكهرباء وخبز، فهل علينا أن ننتظر شهوراً أخرى؟

– عندما نتحدّث عن المساءلة وعن الفساد فذلك لا يعني فقط ملاحقة سارقي المال العام، بل المسؤول الذي يتصرّف بلا مسؤولية عن ميدان مسؤولياته، وما جرى في هذه النقطة بالتحديد في عمل وزير الاتصالات يستحق وحده المساءلة، وفي أي دولة يمثل الوزير أمام القضاء لمساءلته ومن ثم بعد المساءلة، ترد إمكانية اتهامه بإضاعة أموال اللبنانيين وترتيب تبعات على المال العام والاستقرار العام، ويكفي مثال تعامل الوزير نفسه مع ضريبة الواتساب كمبرّر ثانٍ للمساءلة، فهل مَن يسمع؟

– حبذا لو جعل الحراك قضيته منذ اليوم الأول بدلاً من عبثية استبدال الحكومات، تصحيح القطاعات الاقتصادية تحت الضغط بدءاً بقطاع الاتصالات، لكان الآن سعر خدمات الخلوي والإنترنت أقل من نصف التسعير المعتمد، اسوة بما هو جار في الأسواق المجاورة، كي لا نقول في سورية ونتسبّب برجفة قلب للكثيرين، حيث الخدمة أفضل من لبنان والأسعار 20 من مثيلتها في لبنان، ومعلوم مكانة فاتورة الخلوي والإنترنت من النفقات الشهرية لكل لبناني، وخصوصاً الشباب منهم، وهم وقود الحراك، وبعدها قطاع الإسكان، وقطاع المحروقات، ولكن ليس هناك مَن يسمع، فالسياسة أخذت الجميع، وعساها تكون طريقاً نحو الأفضل!

2019-11-05 | عدد القراءات 3358