«إسرائيل» بدأت تستثمر... صدّقوا أو لا تصدّقوا!

ناصر قنديل

– منذ جولة المواجهة الأخيرة في غزة التي انتهت بتثبيت التهدئة بشروط المقاومة، وبعد عملية أفيميم التي عجزت قيادة جيش الاحتلال عن تحمّل تبعات قرار الردّ عليها، وتقبّل نتائجها بشمول الوجود المقاوم في سورية بغطاء معادلة الردع، ومعادلة الردع هذه سارية المفعول، لكن ها نحن فجأة أمام خطوات تصعيدية تشكل رسماً لقواعد اشتباك جديدة تقدم عليها قيادة جيش الاحتلال مدعومة من المستوى السياسي للفريقين المتنازعين على تشكيل الحكومة بعد انتخابات الكيان الأخيرة، فاغتيال القائد العسكري لحركة الجهاد الإسلامي ومحاولة اغتيال أحد قادتها في دمشق، ليس حدثاً عادياً، ولا مجرد انقلاب على قواعد الاشتباك القائمة، بل تجرّؤ على المغامرة بمحاولة فرض قواعد اشتباك جديدة، فما الذي تغيّر؟

– كل التوازنات العسكرية الحاكمة لتوازنات غزة لم تتغيّر، وكل توازنات المنطقة لم تتغير، وكل الذي يتغير هو ما تتداوله المواقع الإسرائيلية السياسية والعسكرية، وبعض المواقع العبرية المتخصصة، ومحوره فرصة لن تتكرر لاستفراد غزة، التي كانت جزءاً من معادلة رسمها السيد حسن نصرالله مضمونها ما قاله منذ شهور عن اعتبار كل حرب تطال جبهة من جبهات محور المقاومة ستكون حرباً مع المحور كله، وتستند التحليلات الإسرائيلية إلى أن ما يشهده لبنان كافٍ لشلّ قدرة حزب الله على ترجمة معادلته التي رسمها، والتي كانت مخصصة لحماية غزة، وتثقيل مقدراتها بعناصر إضافية، وأنه لا حاجة لانتظار رهان قد لا يتحقق باشتعال حرب أهلية في لبنان، بل يجب الاستثمار سريعاً على انشغال حزب الله بالأزمة الحكومية التي تهدّد مشاركته في الحكومة الجديدة، وعلى انشغال الحزب بترتيب علاقته بالشارع الذي يضعه في دائرة المسؤولية بالتشارك مع سائر المشاركين في الحكم، عن الأزمة الاقتصادية، خصوصاً انشغال الحزب أمنياً بترتيب حركته العسكرية في ظل قطع الطرقات الذي يطال كل مناطق لبنان، ويذهب بعض الكلام الإسرائيلي للحديث عما هو أبعد من مجرد الاستثمار، للحديث عن دور إسرائيلي خفيّ في تشجيع رعاية بعض الدول العربية لقوى وقيادات ومؤسسات سياسية واجتماعية وإعلامية ترعى هذا الشارع.

– الأكيد أن قيادة جيش الاحتلال تدرك عجزها عن مجرد التفكير بحرب على المقاومة في لبنان، لكن الأكيد أن سعي قيادة جيش الاحتلال لتغيير قواعد الاشتباك على الجبهتين السورية والفلسطينية يعني المقاومة في لبنان كثيراً، سواء بتداعياته على مستقبل التوازنات، أو من خلال موقع المقاومة اللبنانية في قيادة محور المقاومة، وبمثل ما لا يحمل هذا الكلام أي اتهام للناس الذين خرجوا إلى الشارع بوطنيّتهم لا سمح الله، فهو يجب أن يفتح عيون الذين وضعوا شعارات الحراك إلى أن هناك عدواً يقف وراء الجدار يتنصت على ما يدور في شوارعنا، ويعرف كيفية توظيف كل سانحة صغيرة، فيكف بخطيئة كبيرة بحجم تجاهل الحراك حقيقة كون لبنان في دائرة الاستهداف، والإصرار على اعتبار أنهم معنيّون فقط بالبعد الاجتماعي، ومن حقهم التلاعب بحدود مسؤوليات الأطراف السياسية عن الفساد والخراب المالي والاقتصادي، فيمنحوا عفواً رئاسياً لرئيس الحكومة ويدعون علناً لترؤسه الحكومة الجديدة، ويصرّون على شمول المقاومة بشعار كلن يعني كلن .

– الأكيد أن المقاومة في غزة ستردّ على العدوان، وستردّ الاعتبار لمعادلة الردع، لكن غير الأكيد أن تنتهي الأمور عند هذا الحد، وقد تتطوّر نحو ما هو أشد خطراً، في لحظة ترسيم توازنات الربع الأخير من الساعة، وقد تحدث مفاجآت إقليمية كبرى تجعل الحدث اللبناني في الشارع بعض ذكريات، ونندم على ضياع الفرصة، ولات ساعة مندم، لأن ثمّة مَن أراد أن يفصل بين مسؤولية الحراك عن حماية المقاومة، ومسؤولية المقاومة عن الوقوف مع الحراك.

2019-11-14 | عدد القراءات 17204